جمعتني الصدفة قبل فترة مع أحد الإخوة المحالين إلى التقاعد بعد انقضاء الفترة المحددة له في الوظيفة وطبعاً كان حسن السمعة وعلاقته جيدة جداً مع الجميع الموظف الصغير قبل الكبير، ولله الحمد، ملتزم في ساعات عمله والمهام المطلوبة منه وله وضعه الاجتماعي والوظيفي.
وفجأة انتهى كل ذلك ووجد نفسه صفر اليدين.
فبعد أن كان شغله الشاغل العمل والإنجاز والتطوير أصبح بلا عمل.
بعد أن كان حريصا على ساعات الصباح للحضور مبكراً أصبح اليوم لا شيء يفعله.
بعد أن يقضي جل وقته في عمله وفي إنهاء المراجعين ومعرفة الناس أصبح اليوم وحيدا لا أحد يسأل عنه.
القصد أن المتقاعد بعد خروجه من الوظيفة لأي سبب كان فإنه دخل في مرحلة حرجة ونفسية قاسية في حياته.
الاجتماعية لا تحمد عقباها بين تفكير وبين تدبير وبين مستقبل مجهول، خاصة أن دخله المادي تراجع خاصة في حال أنه لم يؤقلم نفسه على الوضع الجديد، خاصة أصحاب شهادات التميز والتكريم والموظف المثالي فإنهم يمرون في مرحلة شبه ضياع لا من اهتمام ولا من راتب يكفي ولا من تقدير الآخرين.
فبعد أن كان يعيش وضعا وظيفيا وماديا بين المراجعين والثناء والاتصالات والمعارف والتوصيات واللجان والاجتماعات والمتابعات وفريق سكرتارية فجأة يجد نفسه وحيدا بين أسرته الذين انشغلوا عنه اليوم لأنه انشغل عنهم سابقاً.
فما عاد هناك حوار نفسي أو فكري فقط حقوق وواجبات تؤدى لا أكثر.
فهنا يجد المتقاعد نفسه بين واقع مؤلم وبين أسرة منشغلة عنه فيصاب البعض منهم بحالة نفسية تؤثر عليه وعلى كل الذين من حوله، خاصة الزوجة فهي المتحمل الأكبر لتبعات نفسية الزوج المتقاعد؛ فنجد أن الأمور تسير أحياناً بينهم ليست على ما يرام، بل فيها من المشاكل والاختلافات ما يشيب له الرأس.
فبعد ما كان مشغولا في عمله طوال ٤٠ سنة أصبح اليوم متفرغا لا عمل له إلا بيته ؛ فيبدأ ممارسة سلطاته السابقة فيها ومراقبتهم ومحاسبتهم وتتحول الحياة إلى تعب نفسي وقلق يومي، وهذا البعض منهم؛ لذلك أقترح على الجهات المختصة إلحاق الموظفين المرشحين للتقاعد وقبل تحويلهم إلى دورة تأهيلية نفسية تمهدهم لتقبل الوضع ما بعد التقاعد.
يتعلمون من خلالها كيفية التعامل مع الوضع الجديد حتى يتعايشوا بيسر وسهولة مع المجتمع المحيط بهم خاصة الأسرة والوضع المادي المختلف، وهذا المعمول به في بعض الدول المتقدمة.
آخر وقفة
كان لهم دور فلا نهملهم.