تواصل معي قبل فترة (أبو دحوم) وهو في حالة انفعال وضيق من الوضع الذي تعيشه أسرته، وربما بعض الأسر الأخرى، مطالباً بعودة سفرة البيت!! طبعاً حاولت في البداية تهدئته قدر المستطاع من خلال محاولتي امتصاص غضبه لمعرفة أسباب استشاطته فجأة، وتكراره جملة وينك يا سفرة البيت!!
يقول أبو دحوم..
والله يا بوعلي أنا مقهور جداً من غياب الأم عن البيت، وغيابي أنا أيضاً بسبب ظروف عملنا، وبالتالي يعودون أطفالنا إلى البيت دون أن يروا تلك الضحكة الجميلة من أم دحوم أو ابتسامتي المحببة لهم للأسف، والسبب هو اختلاف مواعيد انتهاء الدوام الذي زلزل أرجاء البيت بعد سنوات السكينة والاستقرار والحب.
اليوم يعود أطفالي قبل عودتنا ليجدوا أنفسهم بين خادمة وسائق وبين إهمال واهتمام، ونحن كأولياء أمور نصارع في الشوارع بسبب الازدحامات أو الإغلاقات أو التجاوزات بسبب خروجنا كموظفين قطاع حكومي وخاص أحياناً في نفس الوقت. فكانت النتيجة أننا لم نعد نلتم كما تعودنا على سفرة الغداء نتحادث ونتناقش، لأن من يصل البيت أولاً لا ينتظر الآخر، خاصة بعد يوم طويل ومجهد من العمل والدراسة فتجده تناول طعامه ثم أرسل رسالة نصية على المجموعة (أنا تغديت)!!
لم تعد حواراتنا أسرية هادفة، وتتميز بالدفء والحنان كما كانت سابقاً، حيث اجتماعنا على سفرة الغداء يعتبر الوقود الحيوي الذي من خلاله نسمع لأبنائنا ونعيش معهم ويسمعون أيضاً منا، ونوجههم ونعيش لحظات أسرية جميلة.
ولكن ما نعيشه اليوم أشبه بالتفكك أو ضياع لغة الحوار الأسري بين الأفراد، والسبب طول ساعات الدوام، ووصول الجميع بفترات مختلفة قد تصل إلى صلاة العصر أحياناً، وبالتالي ترتب عليه غياب الأم عن منزلها واحتواء أبنائها، وأخيراً الإجهاد الذي يصيب أفراد الأسرة بشكل عام بسبب الكم الهائل من الالتزامات المطلوبة منهم.
فيقول أبو دحوم والله يا أخ حسن كم أحن وأحن عندما أتذكر جمعة إخواني وأخواتي ووالدتي على سفرة الغداء عندما كنا صغاراً بعد عودتنا من المدرسة، حيث نجد والدتنا تقف عند باب البيت في استقبالنا فرحة وفخورة بنا، وكأننا منتصرين عائدين تجمعنا الضحكة والابتسامة والألفة.. ولكن اليوم يا بوعلي تحول بيتنا إلى حلبة مصارعة لا تتوقف بسبب التوتر والقلق وضيق الوقت فلم يعد الحال كما كان!!
آخر وقفة..
وينك يا سفرة البيت كررتها عشرات الأسر اليوم للأسف.