في نهاية سبعينيات القرن الماضي سألت جاري عبدالرحمن عن أخيه محمد، فقال لي إنه مسافر أميركا للدراسة منذ شهر تقريباً، وسيعود بعد ٤ سنوات، في حينها طبعاً لم أستوعب فكرة السفر والغربة للدراسة.
وبعد ما كبرت قليلاً، ودخلنا في منتصف الثمانينيات جاء إلى بيتنا أحد أبناء عمي للسلام على الوالد لأنه سيسافر للدراسة ٤ سنوات في بريطانيا، وحينها طبعاً بدأت أستوعب نوعاً ما معنى الدراسة في الخارج، وأهمية العلم لتطور مستقبل الوطن.
ومع دخولنا تسعينيات القرن الماضي ودخولي ميدان العمل والدراسة الجامعية بدأت أختلط أكثر بمجتمع مفتوح وأكبر، فلاحظت سفر فلان وفلان للدراسة في الخارج، بل وحرصهم أيضاً على اكتساب خبرة الغربة والاحتكاك بالآخرين.
ومع مرور الزمن ودخولنا في الألفية الميلادية بدأنا نسمع أن هناك أعداداً كبيرة من طلابنا مبتعثين وموزعين حول العالم للدراسة، سواء في دول عربية أو أجنبية، وهذا بحد ذاته طموح أي أمة للنهوض بطاقات شبابها، لذلك كانت الغربة هي بداية البناء للمواطن الداعم لخطط نجاح مستقبل وطنه.
ولكن..
أين هم..؟
أين مخرجات تلك البعثات الدراسية التي أرسلناها للخارج من أجل استلهام العلم النافع من مصدره ومواكبة التطورات في جميع الميادين ونقلها إلى الوطن.. أين هم وأين علمهم؟
أين ذهبوا؟ ولماذا اختفوا ولم نعد نشاهد أحداً منهم اليوم في كرسي المسؤولية والتخطيط والتدبير؟ ولماذا استعنا بالخبرات الأجنبية (غير العرب) في تولي دفة الأمور الحيوية في بعض الجهات؟
في حين كنا وما زلنا وسنبقى نرسل بعثاتنا الدراسية للخارج من طلابنا وطالباتنا من أجل نقل العلم والتطور لنا، ولكن أرى أن الواقع يقول العكس إلا في بعض التخصصات!!
إذاً أين الخلل لطالما وما زلنا نستعين بعشرات الخبرات من أجل مستقبل وطننا؟
إذاً لنوقف إرسال طلبتنا للخارج طالما أننا ما زلنا نستعين بهذه الخبرات في وطننا!
لماذا الغربة والتعب والبهدلة وفي آخر المطاف سأجد الأجنبي الذي ذهبت للدراسة في بلده وتغربت وتعلمت هو من يدير دفة الأمور في مقر عملي؟ وأنا وجدت نفسي على الرف!!
أين شبابنا من مخرجات بعثات التسعينيات.. أين هم؟!
وأين شبابنا من مخرجات بعثات الألفية.. أين هم أيضاً؟
لماذا نفس الوجوه هي كما هي منذ ٨ أو ٩ سنوات لم تتغير أو تتحرك من كرسي المسؤولية؟
بل وجدنا طلبات بالعشرات لتجديد إقامة بالسنوات لبعض الخبرات الخارجية!!
أعتقد الوضع بحاجة لإعادة تخطيط جيد، بحيث نغطي احتياجات السوق من كافة التخصصات الفعلية وليس الصورية.
فلا يعقل أن أغلب طلبتنا في دولة ما فقط في تخصص معين!! أين سيعملون؟
ومتى سنضع في اعتبارنا أن أبناء الوطن هم الوقود الفعلي لنهضتنا ويجب الاعتماد عليهم، بل ومنحهم الثقة والفرصة المناسبة لإثبات وجودهم وترجمة علم الغربة إلى واقع ملموس يغير حياتنا للأفضل؟؟
آخر وقفة..
وينكم يا خبرات سنين الغربة؟
وينكم يا أمل مستقبل وطنا الغالي؟
اختفيتوا ولا أخفوكم في زحمة أمور بعيدة عن تخصصاتكم!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق