مع بداية توظيفك الحكومي تراودك أحلام كثيرة شبابية تنساب فترة العشرينيات لا تنتهي، وتتمنى أن تحققها، خاصة مع نزول أول راتب لك، مثل حلم امتلاك السيارة، والسفر، والرحلات، والطلعات، وأحياناً التوفير، إلى آخر هذه الأحلام، والتي عادة لا يتحقق سوى البعض منها، ولكن تظل في مخيلتك، فتبدأ بالتواصل مع مصرفك، ليقول لك الموظف (توك شباب) اصبر شوي إلا أنك تلح على طلبك، ومن ثاني شهر تبدأ معهم دوامة القروض، وتلتزم بالدفع الشهري، لأنك على رأس عملك. وبعد مرور 15 سنة تراودك أحلام أخرى تناسب فترة عمرك، منها الاستقرار، والاستثمار، والزواج، والأرض، والنظر للحياة بمنظور آخر، فتتوجه مباشرة إلى مصرفك لإنهاء إجراءات قرض آخر بمبلغ أكبر لتحقيق بعض من أحلامك، وأثناء إنهاء الإجراءات يسألك الموظف عن عمرك ليقول (توك شباب)، فتبتسم لأنك ما زلت محافظاً على نفسك. وبعد مرور 15 سنة أخرى، وقد وصلت نهاية الأربعين تبدأ مصاريف حياتك الأسرية تثقل كاهلك نوعاً ما، بين زواج أحد الأبناء، إلى سفر أحدهم للدراسة، إلى بداية بناء بيت العمر!! إلى مصاريف البنات وزواجهم.. فتتجه إلى مصرفك المعتاد لأخذ قرض ثالث بمبلغ أكبر لسد المتطلبات التي لا مفر منها، فيسألك الموظف عن عمرك ليقول (توك شباب)، فتبتسم مستغرباً. وتمضي الأيام والسنوات، وتبدأ ظروفك الصحية لا تسعفك أحياناً لأداء عملك اليومي الصباحي بكل أريحية، فموعد للقلب، وآخر للسكر، وآخر للضغط، ومشاوير وازدحامات في الطرقات، وبدأت تتململ بسبب تقدم العمر من جهة، وصراعك الداخلي للبقاء بحيويتك من جهة آخرى، فما عاد العطاء كما كان سابقاً. فتفكر في عمل صيانة لبيتك وبناء ملحق لزواج ابنك القادم من الخارج أو تفكر في مشروع تجاري بسيط أو للسفر مع أسرتك، خاصة بعد أن تقاعدت من عملك، فتتجه للمصرف المعتاد ليسألك نفس الموظف عن عمرك ثم يقول (توك شباب)، فتبتسم منتصراً ثم تتفاجأ بالرد الآخر المخيب، لكن آسفين عمرك أكثر من 65 سنة.. ما نقدر نعطيك قرض!! يقول أبو إبراهيم.. هل جزاء الموظف بعد خدمته كل هذا العمر أن يعاني من هذا القرار؟ وما ذنب الأسرة والأولاد الذين كانوا يتمتعون في أيام عملي بمستوى معيشي، وفجأة بعد التقاعد ليس بإمكان الشخص أن يوفر احتياجات عائلته وحياة كريمة تكفيهم، خاصة أني على قيد الحياة؟ هل فقط لأني تقاعدت؟! آخر وقفة (توّك شباب) فرحتنا يوماً.. وأبكتنا أياماً!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق